مدينتي داقوق

مدينتي داقوق
فوزي توركر

تعتبر مدينتي التاريخية داقوق من اقدم المدن العراقية والتركمانية .ويرجع تاريخها الى العهد السلجوقي ،وتقع
الى جنوب شرق كركوك بمسافة ٤٠ كيلومترا وتتبع اداريا محافظة كركوك.

ومنارة داقوق الرائعة في هندستها المعمارية والبالغ ارتفاع بقاياها ٢٩ مترا ،من اهم المعالم الاثرية في المدينة ويرجع تاريخ بناء المنارة الى ٧٠٠ عام حيث بنيت مع المسجد الذي تعلوه في العهد الاتابكي ،وهي منارة شبيهة بمنارة مظفرالدين كوكبورو في اربيل ومنارة نورالدين الزنكي في الموصل. وارتفاع المنارة يدل على كبر مساحة المدينة وكثافة سكانها آنذاك .

ومن المعالم الاثرية الاخرى في داقوق الجسر الحجري العثماني المبني على نهر طاووق صو عام ١٨٨٣م وهو من اطول الجسور في العراق حيث يبلغ طوله ٣٦٥ مترا .والقسم الحديدي في الجسر بناه الانجليز بعدما فجره العثمانيون قسما منه بهدف اعاقة تقدم الجنود الانكليز عند انسحابهم خلال الحرب العالمية الاولى الى كركوك .

والمعلم التاريخي المهم الاخر في داقوق هو مقام الامام زين العابدين الذي يزوره سنويا مئات الالوف من المسلمين ومرضى العيون لغرض الاستشفاء.ويقال ان الجامع الموجود فيه المقام امر ببنائه السلطان العثماني مراد الرابع اثناء رحلته لاستعادة بغداد من الصفويين التركمان عام١٦٣٨م ،ومقام الامام محمد الباقر والقبة الموجودة على هي من الطراز السلجوقي ، وضريح الشيخ قواس ومقام الصحابي جابرالانصاري و مقام النبي خضر الياس(ع). كما ويوجد مكان اثري اخر يسمى امام الهوى حيث يزوره مرضى الروماتزم للاستشفاء ايضا . ويعتقد بان الضريح الموجود فيه يعود للسيد هادي احد احفاد الامام موسى الكاظم .وبالاضافة لكل ذلك فيوجد في داقوق عددا من التكايا مثل تكية ايلخانلي ،تكية بابالار ،تكية دة جعفر وتكية قرخلر.

ولو امعنا النظر في جغرافية داقوق من الناحية التاريخية فنرى انها عاصرت دولا تركية كثيرة ولكننا لا نرى فيها ضريحا واحدا او مقاما لقائد سلجوقي او ايلخانلي او صفوي او عثماني ،والمقامات الموجودة جميعها لغير الترك ، وهو أمر يثير الاستغراب ويحتاج الى بحث.

اصبح الجسر الحجري العثماني في الاعوام الاخيرة مركزا سياحيا مهما يزوره الالاف من هًواة السياحة والنزهة من داقوق وكركوك وطورخورماتو لغرض الاستمتاع بمناظرها الخلابة ولصيد السمك في نهر طاووقصو في جميع المواسم تقريبا.
يشتهر نهر طاووقصو بجودة رماله الذائعة الصيت المستخدم في اعمال البناء .كما وانه كان يشتهر قبل سنين بزراعة الرقي والبطيخ واللًوبيا.وكانت زراعة تلك الفواكه تبدأ في رمال النهر بطريقة فريدة من نوعها مباشرة بعد انتهاء موسم الفيضان في اواخر موسم الشتاء ،اذ كان الفلاح يعمل حفرا مستطيلة الشكل اعماقها ٢٥-٣٥ سم قريبة من اماكن المياه ويملؤها بالسماد العضوي ومن ثم يغرس فيه البذور . اما جني ثمار الرقي والبطيخ واللوبيا والتعروزي الطويل ونوع اخرمن التعروزي المر المذاق(كليار) الذي كلما يكبر كان يصفر لونه ويزيد طوله ويصل الى ٧٥-٨٥ سنتمترا ومذاقه شبه حلو .وكان الجني في هذه الحقول يبدأ في اوائل شهرآغسطس .حيث كان وزن الرقية الواحدة ذات بذور كبيرة حمراء او سوداء اللون يصل الى ٢٥-٣٠ كيلوغراما فيما كان وزن البطيخة الواحدة ذات النكهة الطيبة والبذور الكبيرة يبلغ ١٥-٢٠ كيلوغراما. اما الان فللاسف فان تلك الفواكه لم تعد موجودة ولا تزرع لان بذورها ضاعت ولم يفكر احد في الاحتفاظ بها.

كان في مدينتي داقوق مشروعا اروائيا رائعا يستفاد منه للشرب وفي سقي الاراضي الزراعية والبساتين في داقوق وقراها. وكان المشروع عبارة عن سدة صغيرة تقام لخزن قسم من مياه نهرطاووق صو في موقع قريب من القسم الحديدي في الجسر، وكان الماء المخزون في السدة يتدفق نحو ترعة تتفرع الى فرعين في شمال قرية الامام زين العابدين ،فرع يذهب الى قرية علي سراي ويخرج منه فرع صغير يروى الاشجار في مقام الصحابي جابر الانصاري ودور الموظفين والمستوصف في داقوق .
– [x] والفرع الاخر كان يتفرع الى فرعين داخل قرية الامام زين العابدين،فرع يعبر داقوق الى قرية لاصن (قرية تركمانية كبيرة تم تهجير اهلها قبل نحو مائة عام) والفرع الاخر يتفرع الى فرعين ،فرع يذهب الى قرية ينكجةً وقرية سنور(سنكور)ويتفرع فرع ينكجة الى فرعين صغيرين يذهبان الى قرية كليسة وامام الهوى.
– [x] هذا المشروع الإروائي البسيط والمهم في فوائده والذي قد يعود تاريخ بنائه للعهد السلجوقي لم يحظ بالرعاية اللازمة من قبل الجهات المعنية ،فقد قضت عليه تماما قناة الري القادمة من نهر الزاب التي اكتملت بناءه في السبعينات من القرن الماضي .فيما قضى على القسم المتبقي منه التوسع العمراني في داقوق.

تدل اسماء الازقة والاحياء العريقة في داقوق مثل سراي ،دميرجيلر،ايلخانلى،نارين قالا،تبه لي ،آغالار ،كوتوركه،وبوياغجيلر وموقع تيمورلنك في شرق المدينة على قدم المدينة وأصالتها التركمانية عبر تاريخها الطويل.

تاريخ هذه المدينة التركمانية القديمة يعود الى عهد الامبراطورية السلجوقية ،وان اسم داقوق قد طرأ عليه التحور بمرور العهود والعصور.ففي البداية اصبح اسمها داقوقاء ومن ثم اصبح داقوقا وطاقوق واخيرا اصبح طاووق وهو اسمها التركي الشائع في الوقت الحاضر .في رأيي ان لفظ داقوق مشتق من لفظ دقاق وهو اسم جد مؤسس الامبراطورية السلجوقية طغرل بك (طغرل بن سلجوق بن دقاق،).فلفظ دقاق هو اللفظ الاقرب جدا الى لفظ داقوق .

مدينة داقوق التي تبعد عن بغداد بمسافة ٢١٠ كيلومترا ،تمتاز بخصوبة آراضيها الصالحة لزراعة انواع
الحبوب والخضار والفواكه ،كالكروم والمشمش والحمضيات .وفواكه بساتينها كانت تسد احتياجات جنود الجيش العثماني (ربع مليون)المتوجه بقيادة السلطان مراد الرابع الى بغداد لاستعادتها من الصفويين التركمان .ولم تبق من تلك البساتين سوى بستان
نبيهة بنت مهدي (ميتي) كهية في محلة تبه لي وبستان علي شكر وبستان بيرام افندي (ضابط في الجيش العثماني)في محلة دميرجيلر.بستان علي شكر انقرض قبل اكثر من سبعين عاما لانعدام العناية به .اما البستانين الاخرين فاظن انهما قد تحولا في الاعوام الاخيرة الى دور للسكن.

الاراضي الزراعية الواسعة المحيطة بداقوق والتي لا تزال تضم قرى كليسه وينكجة وسنور(سونغور) وطوبزاوه كانت ملكا لعشيرة شيخلر وعشيرة كهيه لر، ولكنها سلبت من اصحابها التركمان وفقا لقرار صادر من السلطان العثماني قبل ما يقرب من ١٥٠عام،وجرى وفقا للقرار منح تلك الاراضي بدوافع مذهبية وامنية للبعض من قطاع الطرق من غير التركمان .

تعرضت مدينتي داقوق في زمن البعث الجائر لحملة تعريب وتطهير عرقي واسعة النطاق تم خلالها بناء عشرات القرى في اطراف المدينة لابناء بعض العشائر العربية الذين جاءت بهم سلطة البعث من المناطق العربية.كما تعرضت مدينتي بعد عام ٢٠٠٣ لحملة تطهير اخرى وهي تكريد المدينة الذي جرى اثتاء حملة تكريد كركوك.ويبلغ عدد سكان مدينتي الآن نحو ٦٠ الف نسمة ، يتكون ثلثيه من العرب الأكراد.

ارتكب تنظيم داعش الارهابي عدة مجازر في داقوق وفي ملعب الرياضة في قرية الامام زين العابدين اسفرت عن استشهاد العديد من التركمان الابرياء.وفي تشوين الاول عام ٢٠١٦ تعرض مأتم نسوي تركماني بمناسة عاشوراء في تكية ايلخانلي لقصف جوي عنيف نفذته احدى مقاتلات سلاح الطيران العراقي اسفر عن استشهاد ٢٠ امرأة تركمانية واصابة ٥٠ امراة اخرى بجروح بليغة تلقت عددا منهن العلاج في تركيا..ومثل هذه الجريمة الشنعاء لم تحصل من قبل في اي مكان آخر.ولو ارتكبت هذه الجريمة ضد اي مكون اخر غير التركمان ، لقلبًوا العراق رأسا على عقب .فهي جربمة لم تستنكرها الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بالمستوى المطلوب وحتى ان التحقيقات التي جرت حولها لم يعلن عن نتائجها لحد اليوم .ولم يحاسب عليها مرتكبيها وفي مقدمتهم الطيار المجرم .

يتحتم على التركمان في مدينتي داقوق وفي جميع انحاء توركمن ايلي شيبا وشبانا ان يدركوا قبل فوات الاوان ان ارضهم محتلة حيث اعتبروها اراض متنازع عليها في المادة الدستورية ١٤٠، فلا حياة بالمدى البعيد لمن لا ارض له .واخطر ما ما يهدد التركمان الان هو وقوعهم بين فكي المطرقة والسندان ،وهو ما يدعوهم لأن يدركوا بان السلاح الوحيد الذي سيعينهم في الحفاظ على لغتهم وهًويتهم القومية ،وفي مواجهة هذا الخطر الكبير المحيط بهم هو التسلح قبل كل شيئ بسلاح الوعي القومي والتأهب لكل طارئ ،والعمل الدؤوب على تعزيز وحدة الصف التركماني .

10.03.2024