لماذا لا ندافع عن كرامتنا ؟

لماذا لا ندافع عن كرامتنا ؟

فوزي توركر

منذ اقدم العصورتعتزالشعوب بمكرامتها وتصونها بكل فوة وثبات,ولا تتردد في الذود عنها بكل ما لديها من قوة  وامكانيات. والكرامة لها مكانتها الفريدة في الحياة السياسية والاجتماعية لجميع الشعوب.فالشعوب جميعها حريصة على كرامتها وتحميها وتدافع عنها دون هوادة.نعم الكرامة اثمن شيء في حياة جميع الشعوب عدا الشعب التركماني الذي لا يأبه منذ ما يقرب من قرن مضى بكرامته المهانة ولا يدافع عنها على الرغم من انه يشكل المكون الثالث في العراق.

أهينت الكرامة التركمانية من قبل السلطات العراقية لأول مرة في  الثلآثينيات من القرن الماضي في محافظة ديالى حيث  يقدر تعداد التركمان القاطنين فيها بنحو نصف مليون نسمة. وتركمان ديالى الأقحاح  تعاملت معهم حكومة ياسين الهاشمي  السيئة الصيت والشديدة الحقد على القومية التركمانية بقسوة بالغة العنصرية ، إذ بدأت بفرض اسماء عربية على المدن التركمانية مثل قزلربات وقزانيا وشهربان وقره غان وغيرها،كما وانها شرعت بفرض القاب بعض العشائر العربية كالزيدي والخالدي.على العوائل التركمانية.وقد اهانت الحكومة العراقية كرامة هؤلاء التركمان الى درجة بحيث باتوا يخجلون اليوم من قوميتهم  والتحدث بلغتهم التركمانية .

 وفي تلك الحقبة نفسها من القرن الماضي وجهت حكومة ياسين العاشمي  اهانة شنيعة اخرى على الكرامة التركمانية في كركوك عندما  قررت استحداث  قضاء الحويجة لعرب استجلبوا من المحافظات الاخرى.ويشغل هذا القضاء الان زهاء ثلث مساحة كركوك.ولم تبدر اية ردود  فعل تركمانية  حينها  ضد هذا القرارالجائر وكأنه لم يكن قرارا عنصريا ضدهم وضد  وحدة الجغرافية التركمانية.

كرامة التركمان اهينت مرة اخرى عندما اقدمت حكومة البعث في عام  1976 على خطوة جائرة لتجزئة الجغرافية التركمانية . ووفقا لهذه الخطوة استقطعت قضاء طوزخورماتو وقضاء كفري من كركوك، والحقت الاولى الى محافظة صلاح الدين فيما الحقت الثانية الى محافظة ديالى.

أهينت كرامة  التركمان في كركوك عبر مجازر عديدة  تعرضوا  لها، ابشعها مجزرة كركوك عام ١٩٥٩ ومجرة التون كوبري عام ١٩٩١. استشهد في هاتين المجزرتين العشرات من التركمان لا لذنب ارتكبوه سوى انتمائهم للقومية التركمانية .فقد كان بالامكان ايصال هاتين المجزرتين للراي العام العراقي والعالمي من خلالافلام وثائقية وتاليف كتب ونشر مقالات باللغات الاجنبية . ولكننا صمتنا ودخلنا في سبات عميق واكتفينا بكرامتنا المهانة .وان مخططات المجزرتين التي نسينا نتائجها الخطيرة لا زالتا قائمة وتطبق ضد نا وضد جغرافيتنا الممتدة من قضاء تلعفر الى قضاء مندلي.

في 16 كانون الثاني 1980اقدم النظام البعثي العنصري على تنفيذ حكم الاعدام بحق كوكبة من المناضلين التركمان  وهم الدكتور نجدت قوجاق والدكتوررضا دميرجي والعميد المتقاعد عبدالله عبدالرحمن ورجل الاعمال عادل شريف. وتعتبرهذه الجريمة اشد اهانة موجهة للكرامة التركمانية منذ تأسيس الدولة العراقية ،لأنها جريمة قصمت ظهرحركة سياسية تركمانية قبل ان ترى النور .

وفيما يتعلق بتلك الجريمة اشارالدكتور فاروق عبدالرحمن نجل الشهيد العميد المتقاعد عبدالله عبدالرحمن في تصريح تلفزيوني قبل اشهرالى وجود بعض الخونة التركمان ممن باعوا ضمائرهم للنظام البعثي العنصري وساعدوه على حمل والده ورفاقه الى حبل المشنقة قي 16كانون الثاني عام 1980. واضاف عبدالرحمن  في تصريحه  التلفزيوني  المذكور بان هؤلاء الخونة هم ستة اشخاص,اثنان منهم  توفيا في كركوك والاربعة الاخرون يقيمون في تركيا. 

لقد مضى اكثر من ثلاثة واربعين عاما على استشهاد العميد المتقاعد عبدالله عبدالرحمن ورفاقه الأبرار، لكننا نحن التركمان لا نفعل شيئا منذ ذلك الوقت غيراقامة مجالس العزاء والقاء بعض الكلمات الرنانة.فالدكتور فاروق عبدالرحمن ما دام يعلم هوية الخونة الذين حملوا اباه وزملاءه الى حبل المشنقة فيتوجب عليه ان يكشف للراي العام التركماني عن اسماء  هؤلاء الخونة التركمان المتعاونين مع النظام البعثي لكي يعاقبهم ابناء الشعب حتى لو بالبصق على وجوههم العفنة ما دمنا نحن التركمان عاجزين عن قتلهم قبل ان يموتوا وينتقلوا الى جهنم وبئس المصير.

سياسة التعريب  والتمييز العنصري التي نفذها النظام البعثي لاكثر من ثلاثة عقود في المناطق التركمانية وفي مقدمتها كركوك  في ستينات القرن الماضي وما  تلاها من اعدام المئات من الشيان التركمان، كانت اشد ضربة  واقسى اهانة الحقها نظام البعث  العنصري  بالتركمان وبهويتهم القومية منذ تأسيس الدولة  العرااقية. فقد جرى في نطاق  تلك السياسة البغيضة بناء  عشرات الاحياء السكنية في كركوك ومئات القرى في ضواحيها لمواطنين عرب جاء بهم النظام من المحافظات الاخرى .ولكننا نحن التركمان لم ندرك خطورة ما يخطط  ضدنا وبقينا صامتين ومتفرجين  لسياسة التعريب وممارسات التهميش التي استهدفت  طمس هويتتنا  التركمانية واهانة كرامتنا .والملفت للنظر في التطور المتعلق بالتعريب في كركوك  وغيرها من المناطق التركمانية ، هو ان التركمان  بدلا من ان يقاوموا  تلك السياسات العنصرية  المهينة لكرامتهم  ولو باضعف الاساليب ، فانهم ا تحولوا الى  متعاطفين مع الوافدين ، وان المئات من العوائل التركمانية  قد تصاهرت مع العوائل الوافدة  التي جاءت  مع سبق الاصرار لطمس الهوية القومية التركمانية والقضاء عليها. ويقدرعدد الفتيات التركمانيات المتزوجات من العرب الوافدين خلال العقود الخمسة الاخيرة  باكثر من خمسين الف فتاة.

الغزوالامريكي للعراق عام 2003 لم يخفف من معاناة التركمان والاهانات التي استهدفت كرامتهم ، ولم يقض على آثار التمييز والتهميش اللذين لحقا  بهم في العهدين الملكي والجمهوري ، ولم يضمد الجروح البالغة التي اصيبوا بها خلال حكم الطاغية صدام حسين.فالتركمان كعادتهم  انتظروا من ياتي وينقذهم من محنتهم ، ولم يتهيأوا كغيرهم من الناحيتين السياسية والدفاعية  للفترة ما بعد صدام .فالمناطق التركمانية تعرضت مرتين للتغيير السكاني، المرة الاولى في عهد صدام وانها لا تزال مستمرة حتى اليوم ، وفي المرة الثانية تعرضت لغزو سكاني كردي كثيف بعد الاحتلال الامريكي للعراق مباشرة،واهانته للكرامة التركمانية لا تقل عن اهانة  تعريب صدام  للمناطق التركمانية.

احتلال تنطيم داعش للموصل  في 2014 ومن ثم ثلث العراق كان مخططا امريكيا ساهم في ايذاء التركمان واهانة كرامتهم اكثرمن غيرهم. فداغش قد اشعل الفتنة والاقتتال الطائفي  والتطهير العرقي في تلعفر التركمانية الجريحة اسفرت عن مقتل المئات وتشريد سكانها.كما وان داعش ارتكب مجازر في مناطق تركمانية اخرى مثل بشيروتازة خورماتى وداقوق وطوزخورماتى وآمرلي.وهنا لابد من الاشارة الى ان اكبر اهانة وجهت للتركمان  كانت المجزرة الرهيبة التي وقعت في داقوق عندماهاجمت طائرة حربية لم يفصح عن هويتها لحد اليوم مجلسا نسائيا للعزاء في ذكرى استشهاد الحسين(ع) في تكية ايلخانلي اسفرت عن استشهاد اربعين مواطنة تركمانية واصابة عشرات ا المواطنات بجروح بليغة ، تلقت بعضهن المعالجة في مستسفيات تركيا

الدستور العراقي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 لم يسعف المطالب العادلة للتركمان، ولم يضمن حقوقهم  وحتى أنه لم يعتبرهم من حيث التعداد المكون الثالث في العراق ، وظلم الدستورالتركمان في مادته 140عندما اعتبر معظم الاراصي التركمانية اراض متنازع عليها. لأن الذين مثلوا التركمان في لجنة صياغة الدستور كانوا غير مؤهلين وغير مستعدين لمناقشة بنود الدستور مع ممثلي المكونات الاخرى في اللجنة.وكانت النتيجة ان صدر الدستور بشكله الحالي المهين للكرامة  التركمانية.

ود في هذه السطور ان نوجه بعض الاسئلة لمواطنينا الكرام في جميع انحاء توركمن ايلي لكي يدركوا مدى  التحديات التي احدقت بنا ولازالت تحدق: لماذا لا ندافع عن كرامتنا المهانة منذ قرن مضى في العراق؟:لماذا لا نناضل من اجل نيل الحقوق؟ لماذا لم نتعلم من معاناتنا وويلاتنا ان الحق لا يعطى وانما يؤخذ؟ لماذا يمثلنا عضو واحد في البرلمان بينما تعدادنا لايفل عن ثلاثة ملايين نسمة؟ لماذا لا نفتخر بانتمائنا لامة تركية عريقة يرجع تاريخها الى اكثر من عشرة آلاف سنة؟هل ان كرامتنا  في العراق اقل شانا من كرامة العرب والاكراد؟اليس لنا علماء وادباء نوابغ خدموا العراق؟الم يدافع اجدادنا عن الاسلام ضد الصليبيين؟ ألم يبسل ضباطنا في حرب فلسطين ألم نتعرض لمختلف صنوف الاضطهاد والتمييز العنصري في العهدين الملكي والجمهوري وللتعريب والاعدامات في عهد صدام ؟ لماذا يمثلنا نائب واحد في البرلمان  بينما تعدانا لا يقل عن ثلاثة ملايين نسمة؟ لماذا لا نملك حركة وطنية مسلحة حرة الارادة  تصون كرامة التركمان وتسترجع حقوقهم المهضومة

تعتبر انتخابات مجالس المحافظات المقبلة وضرورة الفوز بها بما لا يقل عن اربعة مقاعد الفرصة الاخيرة امام المواطنين التركمان في كركوك وغيرها من المناطق التركمانية الممتدة من تلعفر الى مندلي، لكي يتمكنوا من ازالة بعض ما لحق بهم من الظلم والاجحاف في العقود تقاعس في اتمام التدابير اللازمة التدابيراللازمة لعملية التصويت، او تجنب التوجه الى صناديق الاقتراع سوف يسئ كثيرا لصورة التركمان امام الراي العام العراقي،ويقضي على مستقبلهم السياسي.

30.08.2023