
تركمان العراق … الهوية والوجود
مضر اكرم عثمان الدركزنلي
تعد الهوية من أهم مكونات النفس البشرية وهي مزيج من الإنتماءات المتداخلة تفرضها البيئة الجغرافية التي يعيشها الإنسان في كل مكان وزمان. فعندما تكون البيئة قاسية ومتسطلة في تعاملها مع أفرد المجمتع سيجنح الكثير من الناس الى الخضوع للهوية والثقافة السائدة التي تفرضها الفئة التي تملك السلطة، والقرار السياسي، والاقتصادي في تلك البيئة الجغرافية.
إنّ المحافظة على الهوية أمر ضروري للغاية للمجمتعات البشرية، وإن توريثها للأجيال هو واجب اجتماعي واخلاقي عميق لا يفهمه إلا أصحاب الكرامة ومن يحملون شعوراً عالياً بالعزة بالنفس.
لقد مرَّ التركمان بفترات وحقب زمنية عصيبة في العراق وتأثروا بشكلٍ كبيرٍ بسياسات التعريب والتكريد وذلك بحسب منطق سكناهم. فقد انكر الكثير منهم قوميته بسبب كره السلطلة والاحزاب القومية لباقي القوميات وخوفهم من ان يكون لأبناء القومية التركمانية حقوقاً سياسيةً وثقافيةً واقتصاديةً تفضي الى القضم من حصة قومية من هم في موقع السلطة. وتخلل ذلك حالة انكسار كبيرة للآباء أمام أبنائهم واحفادهم! تارة بالتهرب من الأسئلة الحرجة التي تتحدث عن الانتماء، وتارةً بالإنكار والادعاء بالانتساب الى العشائر العربية أو العشائر الكردية إما طمعاً، أو خوفاً ورهباً في أغلب الأحيان! ليس هذا فحسب، فإنَّ الإيدلوجيات الدينية كذلك قد أثَّرَت (الشيعية والسنية على حدٍ سواء) على تماسك الهوية القومية لتركمان العراق. إذ ان للايدلوجيا الحزبية الاسلامية التي تعمل في المجال السياسي نهياً واضحاً عن ذكر أو تداول الانتماءات القومية للمنضمين الى صفوفها، لانها ترى في ذلك انسلاخاً عن الدين! بينما هناك نصوص دينية واضاحة تنهى عن إنكار الأنسان لأصله وتوجب ذكر انتمائه لان ذلك من موجبات المروءة. واصل النهي هنا هو النهيُ عن الغلو في ذكر إي انتماء كان الى درجةٍ يهدد معها كيان المجتعات والسلم الأهلي، ويعرض حياة الناس ومصالحهم الى الخطر.
أما الايلوجيات اليسارية فقد دأبت هي الأخرى على كسب بعض أبناء القومية التركمانية في العراق وحالت دون رغبة ابناء هذه القومية في إظهار هويتهم، إلَّا أنها كانت الأقل حظاً في عدد من استطاعت كسبهم من أبناء هذه القومية بسبب التركيبة النفسية للإنسان التركماني العراقي، فضلاً عن أسبابٍ تاريخية أخرى لا يسع المقام لذكرها. ونرى في الآونة الأخيرة ان اغلب من انتمى إلى هذا الفكر من أبناء القومية التركمانية قد تخلى عن هذا الفكر الى حد بعيد لعدم توفر العوامل التي تعين على تغذية أفكار هذه الإيدلوجيا في الأوساط الإجتماعية التركمانية.
أما الايدلوجيات القُطرية (تسمى الوطنية احياناً) فقد كان لها هي الأخرى الأثر الكبير في ثني أبناء القومية التركمانية عن إظهار قوميتهم، أو المطالبة بحقوقهم أسوةً بباقي القوميات التي استطاعت ان تحقق جزءً كبيراً من مقتضيات المحافظة على هويتها الثقافية، والأجتماعية، بل وحتى الإقتصادية. ولقد دأبت الدولة المركزية في العراق منذ تأسيسها على الممطالة في ذكر هذه حقوق التركمان في دساتيرها. ليس هذا فحسب وإنما أصدرت الكثير من القوانين والتعليمات العلنية منها والسرية التي تسد الطريق أمام التركمان وتثنيهم عن المطالبة بحقوقهم. في حين أنًّ التركمان في العراق بعيدون كل البعد عن الميول الإنفصالية وهم مخلصون للعراق في جميع الفترات والمواقف، ولم يتخلفوا يوماً عن خدمة بلدهم العراق. إن كان انتماء التركمان للأمة التركية يُعدّ مبررًا لطمس حقوقهم، فهل يُلام العربي على شعوره بالانتماء إلى الأمة العربية؟ أليس هذا الشعور ذاته هو الذي تكرسه الخطابات والإعلام الرسمي؟ إن الاعتزاز بالهوية حق مشروع للجميع، ولا ينبغي أن يُعامل التركمان بازدواجية في هذا السياق. فكما يحق للعرب والكرد التمسك بهوياتهم، فمن حق التركمان أن يعتزوا بأصولهم دون أن يُنظر إليهم بعين الريبة.