
هل ستنسحب امريكا من العراق ؟
علي البياتلي – بغداد
الوجود العسكري الأمريكي في العراق لم يعد مجرد قضية سياسية أو عسكرية بل تحول إلى موضوع معقد بفعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية وعلى الرغم من التصريحات المتكررة حول نية الولايات المتحدة الانسحاب من العراق إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل هذا الانسحاب غير ممكن في المستقبل القريب ومن بين هذه الأسباب تهديد تنظيم داعش والأوضاع المعقدة في سوريا والمصالح النفطية والانقسامات السياسية داخل العراق
وأكد مركز أبحاث أمريكي أن جميع البيانات والمؤشرات تؤكد أن القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق خاصة في ظل التطورات الأخيرة على الساحة السورية ومع وصول دونالد ترامب إلى الحكم حيث يتوقع أن يعمل على تعزيز هذا الوجود لمنع عودة تنظيم داعش واستعادة قوته العسكرية وأشار التقرير إلى أن الجانب الأمريكي يعتبر العراق منطقة استراتيجية عسكريًا لمواجهة نشاط داعش المتزايد في سوريا وهو ما يشكل تهديدًا لا يقتصر على العراق بل يمتد ليشمل جميع دول جوار سوريا لذا من غير المتوقع أن تنسحب القوات الأمريكية من العراق بل قد يتم تغيير توصيف هذا الوجود لتجنب الإحراج السياسي للحكومة العراقية.
وذكرت منظمة ستيمسون الأمريكية للدراسات في تقرير تحليلي أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من العراق بشكل نهائي ووصفت الأخبار المتداولة حول وجود خطة أمريكية للانسحاب في عام 2025 بأنها مجرد (استهلاك إعلامي) (Media Consumption) وأضاف التقرير أن خسارة سوريا شكلت ضربة كبيرة للمحور الإيراني مما يجعل انسحاب القوات الأمريكية من العراق مستحيلاً لأنه سيمنح إيران بديلاً عن خسارتها في سوريا كما أوضح التقرير أن الولايات المتحدة وإسرائيل وجهتا ضربات قوية للمحور الإيراني خلال العامين الماضيين وهو ما يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استغلاله لذلك فإن انسحاب القوات الأمريكية من العراق في هذا العام أو حتى بعده يبدو أمرًا غير مرجح خاصة مع تراجع نفوذ إيران في المنطقة باستثناء الحوثيين في اليمن.
وفي تصريح لوزارة الدفاع الأمريكية أقر المتحدث باسم البنتاغون الميجر جنرال بات رايدر بوجود قوات أمريكية إضافية في العراق لم يتم الإعلان عنها رسميًا وأكد أن هذه القوات موجودة منذ فترة طويلة لكن لم يتم الإفصاح عنها لدواعٍ سياسية وأوضح أن هذا الوجود الإضافي بجانب القوات المعلنة والتي يبلغ عددها 2500 جندي يمثل عبئًا سياسيًا لم ترغب واشنطن في فرضه على الحكومة العراقية وكما أشار رايدر إلى أن هذه القوات الإضافية تعتبر جزءًا من استراتيجية أوسع للتعامل مع التطورات السياسية والأمنية في المنطقة بما في ذلك إرسال تعزيزات عسكرية إلى سوريا .
ومن جهة اخرى أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن العراق صدّر ما يقارب 80 مليون برميل من النفط الخام ومشتقاته إلى الولايات المتحدة خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 وأظهرت البيانات أن صادرات العراق من النفط انخفضت في شهر أكتوبر مقارنة بشهر سبتمبر حيث بلغت صادرات أكتوبر حوالي 6.89 مليون برميل بينما كانت صادرات سبتمبر حوالي 9.625 مليون برميل ويظهر هذا الارتفاع الملحوظ في صادرات النفط العراقي إلى الولايات المتحدة على مدار السنوات الأخيرة قدرة العراق على زيادة إنتاجه النفطي بالإضافة إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط ولكن ادارة معلومات الطاقة الامريكية لم تعلن عن اسعار النفط الذي تشتريه من العراق رسميا ، وهذا يدفعنا لنقول بان من الغير المعقول ان تستورد امريكا هذه الكميات الكبيرة بنفس السعر العالمي لذلك العراق مصدر مهم للطاقة لامريكا وتلعب العلاقات التجارة النفطية بين العراق والولايات المتحدة دورًا حيويًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين كما تسهم في استقرار السوق النفطية العالمية والامريكية .
واما عن التنظيمات الارهابية والتي هي السبب الرئيسي المعلن اعلاميا ورسميا لوجود القوات الاجنبية في العراق ، تشير تقارير مؤكدة إلى أن تنظيم داعش والجماعات المسلحة التابعة له في سوريا حصلت على أسلحة ومعدات عسكرية مهمة من بقايا ترسانة النظام البعثي لبشار الأسد هذه الأسلحة التي تشمل أنظمة متطورة وأسلحة ثقيلة تعزز قدرات التنظيم وتتيح له تنفيذ عمليات واسعة النطاق على طول الحدود العراقية الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر وتامين امن هذه المسافة الطويلة تبدو صعبة جدا ميدانيا لذلك فان الحدود العراقية السورية تشهد باستمرار تهديدات متزايدة حيث تستغل هذه العصابات المسلحة التضاريس الصعبة والمناطق الوعرة لتنفيذ عمليات تسلل وهجمات مباغتة تستهدف أمن العراق واستقراره هذه التهديدات تضع العراق أمام تحدٍ أمني كبير يتطلب جهودًا عسكرية واستخباراتية مكثفة لتأمين الحدود ومنع تسلل الإرهابيين لذلك فان أي عملية عسكرية لمواجهة هذه الجماعات المسلحة ستكون لها تداعيات اقتصادية خاصة على صادرات العراق النفطية التي تعد شريان الحياة للاقتصاد الوطني العراقي و يمكن أن تؤدي العمليات إلى تعطيل طرق النقل الحيوية أو استهداف المنشآت النفطية القريبة من الحدود ويأتي ذلك في وقت يحتاج فيه العراق إلى استقرار أمني لضمان استمرار تدفق صادراته النفطية التي تسهم في تلبية الطلب العالمي بشكل عام والطلب الامريكي بشكل خاص.
ولا ننسى ان نذكر بان الخبراء العسكريون الأمريكيون يشيرون إلى أن وجود القوات الأمريكية في العراق لا يقتصر على حماية المصالح الأمريكية فحسب بل يمتد ليشمل أمن إسرائيل أيضًا تعتبر هذه القوات خط الدفاع الأول ضد التهديدات الإيرانية بما في ذلك الصواريخ التي يمكن أن تستهدف إسرائيل مباشرة عامل الزمن في التصدي لهذه الصواريخ يعد حاسمًا إذ يمكن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة من تقديم استجابة فورية لأي تهديد مما يقلل من فرص وقوع أضرار كبيرة مع تزايد تطور قدرات إيران الصاروخية أصبح هذا التهديد مصدر قلق متزايد لأمن إسرائيل والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لذلك يعتبر الخبراء أن استمرار الوجود الأمريكي في العراق يشكل جزءًا أساسيًا من استراتيجية الردع والدفاع في المنطقة حيث يسهم في حماية أمن إسرائيل والمصالح الامريكي.
واما من الناحية العراقية والمحلية تُعَد قضية انسحاب القوات الأمريكية من العراق محورًا للانقسامات الحادة بين الأحزاب والقوى السياسية الكبرى في البلاد. هذه الانقسامات تتجلى بشكل واضح بين قيادات الإطار التنسيقي التي تُمسك بزمام الحكم في العراق وبعض الفصائل السياسية والبرلمانية الأخرى التي تنادي بخروج القوات الأجنبية.
من جهة تُظهر بعض قيادات الإطار التنسيقي وحسب تصريحاتهم دعماً لبقاء القوات الأجنبية معتبرة أن وجودها ضرورة لتعزيز أمن البلاد. ويرى هؤلاء أن القوات الأمريكية تُسهم في مساعدة العراق على حماية حدوده الطويلة والمعقدة مع سوريا، والتي تُعد بؤرة لتهديدات مستمرة من قبل تنظيم داعش والجماعات المسلحة الأخرى. كما يشيرون إلى أن بقاء هذه القوات ضمان للعراق ولاجواءه لأي هجمات محتملة قد تنطلق من اسرائيل والتي قد تستهدف المصالح الحيوية.
ومن جهة أخرى تقف كتل وفصائل سياسية وبرلمانية أخرى في موقف معارض وتضغط على الحكومة لتمرير قرارات تدعو إلى انسحاب كامل للقوات الأجنبية. هذه الأطراف ترى أن العراق يمتلك من القدرات العسكرية والسياسية ما يكفي لحماية سيادته واستقلاله دون الحاجة إلى وجود أجنبي ويعتبرون أن بقاء هذه القوات يُعد انتهاكاً لسيادة البلاد ويعكس تدخلات خارجية في الشأن العراقي.
وسط هذه الانقسامات تجد الحكومة العراقية نفسها في موقف لا يحسد عليه ومعقد حيث انها تسعى لتحقيق توازن بين مطالب الكتل السياسية المتباينة من جهة والالتزام بتعزيز أمن البلاد ومصالحه الوطنية من جهة أخرى و هذه القضية تُبرز تحديات كبيرة أمام صانعي القرار في العراق خاصة في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.
اخيرا :
إن انسحاب الولايات المتحدة من العراق ليس مجرد قرار بسيط بل هو موضوع معقد يرتبط بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية وعلى الرغم من وجود بعض القوى السياسية التي تطالب بالدفاع عن سيادة العراق ورفض الوجود الأجنبي إلا أن المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية تجعل من انسحابها الكامل أمرًا صعبًا والتحديات المتمثلة في استمرار تهديد داعش والأوضاع في سوريا والمصالح النفطية والانقسامات السياسية داخل العراق تؤكد أن الوجود الأمريكي في البلاد سيستمر في المستقبل القريب .