
علي البياتلي – بغداد
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتقاطع فيه المصالح بين الدول لم تعد القرارات الاقتصادية مجرد أرقامٍ تُدوَّن في سجلات التجارة بل غدت أدوات ضغط ونفوذ تُرسم بها ملامح العلاقات الدولية. وبين أمواج هذا البحر المتلاطم تقف الدول الباحثة عن الاستقرار والسيادة أمام تحديات جسيمة تفرض عليها أن تتعامل بحكمة ويقظة لحماية مصالحها الوطنية. ومن بين هذه الدول يبرز العراق وهو يواجه قرارًا أمريكيًا بزيادة الرسوم الجمركية واضعًا أمامه مسؤولية وطنية كبرى تستوجب الموازنة بين الانفتاح الاقتصادي والدفاع عن السيادة الاقتصادية في عالم لا يرحم الضعفاء ولا ينتظر المترددين.
وفي هذا السياق اتخذت الحكومة العراقية سلسلة من الإجراءات لمواجهة تداعيات قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة وتأثير ذلك على الاقتصاد العراقي.
وجاء في بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن الأخير ترأس اجتماعاً خُصص لمناقشة الانعكاسات الاقتصادية والتجارية لهذا القرار الأمريكي حيث خرج الاجتماع بجملة من التوجيهات والإجراءات الهادفة إلى حماية المصالح الوطنية العليا وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وكان من أبرز هذه الإجراءات التوجه نحو تطوير العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من خلال فتح قنوات مباشرة بين الوكالات والموزعين التجاريين الأمريكيين والعراقيين وتشجيع التعامل المباشر بين القطاعات الاقتصادية في كلا البلدين. كما سعت الحكومة إلى تنشيط الدور العراقي في تلك العلاقة عبر تفعيل الوكالات المحلية وتعزيز التعاون المصرفي والمالي المشترك.
وفي خطوة لاحتواء تداعيات القرار الأمريكي وجه السوداني فريق التفاوض العراقي بمراجعة أسس العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بما يضمن تحقيق توازن اقتصادي وتجاري يخدم مصلحة العراق ويصون علاقاته الدولية من أي اهتزاز غير مبرر. كما كُلّفت وزارات الخارجية والمالية والتجارة بفتح حوارات مباشرة مع نظرائها الأمريكيين والعمل على متابعة الأسواق وتحليل المتغيرات الاقتصادية بدقة.
وقد بيّنت وزارة التجارة العراقية في تقريرها خلال الاجتماع أن قرار زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية لم يكن نتيجة لضرائب عراقية مفروضة على البضائع الأمريكية بل استند إلى الخلل القائم في الميزان التجاري بين البلدين. وأشارت إلى أن معظم الواردات العراقية من الولايات المتحدة تتم عبر دول وسيطة بسبب بعض السياسات التي تتبعها الشركات الأمريكية في تعاملها مع العراق.
وبالرغم من تلك التحديات فإن البيانات الاقتصادية تشير إلى وجود تطوّر ملحوظ في حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العامين الماضيين إذ بلغ حجمه ما بين 9 و10 مليارات دولار. وقد ارتفعت صادرات العراق النفطية إلى الولايات المتحدة بنسبة تزيد عن 110% بينما تنوعت الواردات الأمريكية إلى العراق لتشمل السيارات ومعدات النقل والمعدات الهندسية والكهربائية.
ويُظهر الميزان التجاري تفوقًا لصالح العراق بفائض بلغ 5.7 مليارات دولار بفضل العائدات الكبيرة من صادرات النفط الخام. إلا أن فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 39% على البضائع العراقية مقابل رسوم عراقية بنسبة 78% على الواردات الأمريكية أثار جدلاً واسعًا خاصة في ظل توقعات الخبراء بأن هذه السياسات قد تؤدي إلى تغيّرات في خارطة التجارة العالمية وارتفاع في الأسعار وربما إلى ركود اقتصادي يؤثر على منطقة الشرق الأوسط برمتها.
إن اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بنسبة تصل إلى 90% من إيراداته يجعل البلاد أكثر عرضة للتأثر بأي اضطرابات في السوق العالمية وهو ما يدفع بالحكومة إلى السعي الجاد لبناء علاقات اقتصادية متوازنة وتحقيق تنوّع اقتصادي يقي البلاد من الأزمات.