
علي البياتلي – بغداد/ بعد المواجهات العسكرية بين اسرائيل وايران وعندما ايقنت ان الطائرات الكيان الصهيوني استطاعت ان تضرب اهداف في ايران واليمن تبعد 2000 كيلومتر جلست أمام الخريطة وامسكت القلم في يدي
ورسمت دائرة نصف قطرها 2000 كيلومتر مركزها قلب ماتسمى اسرائيل على الخريطة .
لم أكن أتوقع أن يخبئ لي هذا الخط البسيط على الخريطة مفاجأة كبيرة.
بين لحظة وأخرى بدأت الحدود تتكشف أمامي وأدركت بذهول أن أكثر من أربعين دولة تقع تحت ظل هذه الدائرة. دولٌ من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحتى أجزاء من أوروبا كلها في مرمى الترسانة الجوية للكيان الصهيوني المحتل. كان الأمر أشبه بنظرة سريعة إلى خريطة جديدة للعالم حيث تتحول المسافات إلى مساحات من التهديد والتحدي. تلك الدائرة لم تكن مجرد حدود على الورق بل كانت جرس إنذار لكل دولة تقع داخلها تحذير بأن القوة ليست فقط في ما تملكه بل في مدى ما تستطيع الوصول إليه. في تلك اللحظة فهمت أن الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لا يمكن أن يُنظر إليه إلا من خلال هذه الدائرة التي رسمتها وأن التحدي أكبر مما كنا نتخيل.
في عالم اليوم حيث تُعتبر القوة العسكرية معيارًا رئيسيًا في ميزان القوى الدولية برزت القوة الجوية للكيان الصهيوني المحتل كعامل استراتيجي لا يمكن تجاهله في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجزء من أوروبا الجنوبية. لقد أثبتت هذه القوة من خلال ضرباتها الجوية البعيدة المدى قدرة عالية على الوصول إلى أهداف بعيدة جداً بما في ذلك داخل الأراضي الإيرانية ما جعلها من أبرز العناصر العسكرية التي تُعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.
عندما ننظر إلى دائرة نصف قطرها 2000 كيلومتر مركزها الأراضي الكيان الصهيوني نجد أمامنا خارطة تضم ما يقارب أربعين دولة من دول الشرق الأوسط مثل لبنان سوريا الأردن مصر العراق السعودية الكويت البحرين قطر الإمارات عُمان واليمن مروراً بالدول الإقليمية المجاورة مثل تركيا وإيران وصولاً إلى شمال أفريقيا حيث ليبيا والسودان والجزائر وتونس وتشاد وليس انتهاءً بدول القوقاز وشرق أوروبا كأذربيجان قبرص اليونان أرمينيا جورجيا أوكرانيا جنوبها رومانيا جنوبها الشرقي بلغاريا مولدوفا وأجزاء من جنوب أوروبا كإيطاليا وحتى شمال شرق أفريقيا في إريتريا وشمال إثيوبيا.
هذا الواقع الجغرافي يعكس حجم النفوذ والتأثير الذي تملكه الكيان الصهيوني وخصوصا بحكومته الحالية المتهورة والدموية من خلال قوتها الجوية والتي لم تعد مقتصرة على حدودها بل تمتد كتهديد محتمل على نطاق جغرافي واسع. ولهذا فإن التداعيات السياسية لهذه القدرة الجوية واضحة: فالدول الواقعة ضمن دائرة التهديد تجد نفسها في موقف معقد إذ عليها الموازنة بين إدارة علاقاتها مع الكيان الصهيوني المحتل التي تملك ميزة جوية استراتيجية وبين سعيها لبناء تحالفات أمنية وسياسية مع قوى إقليمية وعالمية من أجل تأمين مصالحها وحماية سيادتها.
تشكّل القوة الجوية الاسرائيلية عاملًا حيويًا يعيد رسم خريطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجزء من أوروبا الجنوبية. على المستوى الدولي تحاول بعض الدول الاستفادة من وجود الكيان الصهيوني المحتل كحليف غير رسمي في مواجهة تهديدات إقليمية مشتركة مستثمرةً تلك القدرة الجوية لتعزيز مواقفها الأمنية والسياسية. في المقابل تتجه دول أخرى نحو تعزيز استقلاليتها الدفاعية سعياً لتجنب الوقوع تحت ضغط هذه القوة الجوية التي تؤثر بشكل مباشر على سيادتها وأمنها الوطني.
التأثيرات الاقتصادية :
على الصعيد الاقتصادي تثير السيطرة الجوية للكيان الصهيوني المحتل ية مخاوف جدية لدى المستثمرين المحليين والدوليين الذين يدرسون المنطقة باعتبارها بيئة استثمارية ذات مخاطر مرتفعة. هذا الشعور العام بعدم الاستقرار ينعكس سلبًا على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول المتأثرة مع زيادة ملحوظة في تكاليف التأمين على المشاريع الحيوية والبنى التحتية.
ولعل أبرز المتضررين هم الدول التي تعتمد بشكل كبير على قطاعات الطاقة مثل النفط والغاز والتي تشمل السعودية الإمارات قطر إيران والعراق. ففي ظل تهديد متزايد للبنية التحتية للطاقة تزداد احتمالات حدوث تقلبات حادة في أسواق الطاقة العالمية مما يعكس تأثيرًا متسلسلًا على اقتصاديات هذه الدول.
بالإضافة إلى ذلك تواجه قطاعات النقل والتجارة الدولية تحديات متصاعدة خاصة في الدول التي تمتلك موانئ بحرية استراتيجية كلبنان مصر وتركيا. المخاطر الأمنية المتزايدة تؤثر على تدفق البضائع والخدمات وهو ما ينعكس بدوره على تراجع الأداء الاقتصادي الكلي.
بمعنى اخر يُعدّ الأمن والاستقرار من أهم مقومات جذب الاستثمارات الأجنبية. السيطرة الجوية للكيان الصهيوني على منطقة جغرافية واسعة تُشكل عاملًا معوقًا للنمو الاقتصادي حيث يزرع عدم اليقين الناتج عن إمكانية ضربات جوية مفاجئة شكوكية كبيرة لدى المستثمرين العالميين بشأن قدرة الحكومات على حماية أصولهم ومشاريعهم. هذا الواقع يدفع المستثمرين إلى البحث عن بيئات أكثر أمانًا واستقرارًا خارج المنطقة مما يحرم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا من فرص تنموية حيوية ويزيد الفجوة الاقتصادية بينها وبين منافسيها على الصعيد العالمي.
التأثيرات الأمنية :
على الصعيد الأمني تُعد السيطرة الجوية للكيان تهديدًا مباشرًا للأمن القومي والسيادة الجوية للدول الواقعة ضمن دائرة التهديد. كل ضربة جوية أو تهديد بتنفيذها يمثل انتهاكًا للسيادة الوطنية ويضع هذه الدول أمام تحديات جسيمة في حماية أراضيها وبنيتها التحتية وضمان سلامة مواطنيها.
هذا الضعف في القدرة على الردع أو منع الهجمات الجوية يؤثر سلبًا على المكانة الإقليمية والدولية لتلك الدول ويقلل من مصداقيتها في المحافظة على أمنها الوطني. في ظل هذه الظروف يُجبر القادة على إعادة ترتيب أولوياتهم الأمنية مكرسين موارد ضخمة لتحديث منظومات الدفاع الجوي والإنذار المبكر. هذه الاستثمارات الثقيلة رغم أهميتها تُثقل كاهل الميزانيات الوطنية وتحدّ من قدرة الحكومات على تخصيص موارد كافية لقطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
في مجمل الأمر يُمكن القول إن السيطرة الجوية للكيان المحتل ليست مجرد قدرة عسكرية بل هي معادلة سياسية واقتصادية وأمنية جديدة تشكل تحديًا معقدًا للدول الواقعة في نطاق تأثيرها وتدعو إلى استراتيجيات متوازنة تعزز من الاستقرار والتنمية في منطقة حيوية على الصعيد العالمي.
الحلول الاستراتيجية للتعامل مع الترسانة الجوية للكيان الصهيوني
مع تزايد القدرات الجوية للكيان الصهيوني المحتل ية التي تمتد لنحو 2000 كيلومتر بات من الضروري للدول الواقعة ضمن دائرة التهديد أن تتبنى حلولًا متكاملة ومتعددة المستويات لتعزيز أمنها الوطني وحماية سيادتها. وفي هذا الإطار هناك مجموعة من الخطوات العملية التي يمكن تبنيها لمواجهة هذه التحديات الجوية والتي تجمع بين الجوانب العسكرية الأمنية والتقنيات الإعلامية الحديثة.
تعزيز أنظمة الدفاع الجوي الوطني
أول وأهم خطوة هي تحديث وتطوير أنظمة الدفاع الجوي لتصبح أكثر قدرة على التصدي للتهديدات. يمكن تحقيق ذلك عبر شراء أو تطوير منظومات متقدمة مثل “باتريوت” الأمريكية أو “إس-400” الروسية مع التركيز على الربط الشبكي بين هذه الأنظمة لتشكيل درع جوي موحد. هذا التكامل الشبكي يسمح بتبادل المعلومات في الزمن الحقيقي ويزيد من سرعة الاستجابة وفعالية التصدي لأي هجوم جوي سواء من الطائرات التقليدية أو الطائرات المسيرة.. ولكن امتلاك هذه المنظومات ليس بالامر الهين او السهل لان الضغوطات من قبل الحليفة الكبرى والراعية لاسرائيل الولايات المتحدة الامريكية ولوبياتها السياسية تفرض قيودا قوية ومحكمة للدول الراغبة بشراء هذه المنضومات الدفاعية وهناك عامل اخر ان اهم مورد لهذه المنضومات مثل روسيا تبيعها للدول التي لها سياسات خارجية مقبولة مع روسيا هذا من جهة وكذلك لا ترغب ببيعها لدول قد تزيد من حجم مواجهتها للغرب بالاضافة لاسعارها الغير المعقولة تبقى امتلاك هذه المنضومات مسالة معقد وسياسية .
تطوير التعاون الإقليمي في الأمن الجوي
لا يمكن لأي دولة أن تواجه هذا التهديد بمفردها. لذلك فإن تشكيل تحالفات إقليمية تبني جسور التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية والإنذار المبكر يعد ركيزة أساسية. هذه التحالفات تُمكن الدول من تنسيق الردود السريعة والمنسقة على أي تهديد جوي مما يزيد من فرص إحباط الهجمات وتقليل خسائرها.
الاستثمار في التكنولوجيا السيبرانية والتشويش الإلكتروني
في عالم يتداخل فيه المجال الإلكتروني مع الساحة العسكرية يصبح الاستثمار في قدرات التشويش الإلكتروني وشن الهجمات السيبرانية على أنظمة القيادة والسيطرة للطائرات والطائرات المسيرة أمرًا حيويًا. تطوير هذه القدرات يتيح شل عمل الطائرات المعادية وتقليل دقتها مما يقلل من فعالية الضربات الجوية ويمنح الدفاعات الأرضية مزيدًا من الوقت للرد.
دعم البنية التحتية الدفاعية المحلية
الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والأسلحة المستوردة يشكل نقطة ضعف استراتيجية. لذا فإن بناء صناعات دفاعية محلية أو إقليمية في مجال الدفاع الجوي يعزز من قدرة الدول على تطوير حلول مخصصة تتناسب مع خصوصية تهديداتها كما يقلل من تبعيتها الخارجية. بالإضافة إلى ذلك الاستثمار في التدريب المستمر للكوادر الفنية والعسكرية يرفع من جاهزية واستدامة هذه الأنظمة.
الضغط الدبلوماسي الدولي
لا تكتمل الاستراتيجية الأمنية دون البعد السياسي والدبلوماسي. استخدام القنوات الدولية للضغط على الكيان الصهيوني المحتل للحد من العمليات العسكرية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة وفتح حوارات سياسية اقليمية تسعى إلى حلول سلمية للنزاعات يمثل خيارًا مهماً على المدى المتوسط والبعيد. هذا الضغط الدولي يمكن أن يساعد في خلق بيئة أكثر استقرارًا تخفف من الحاجة إلى استخدام القوة.
تعزيز الأمن الاقتصادي والتجاري
ينبغي أن لا نغفل البعد الاقتصادي الذي يتأثر بشدة من التهديدات العسكرية. وضع خطط بديلة لتأمين خطوط الإمداد والتجارة وتنويع الاقتصاد للحد من الاعتماد على القطاعات الحساسة مثل النفط والغاز يعزز من مرونة الدول في مواجهة الأزمات الأمنية. كما أن تأمين الاستثمارات وحماية البنى التحتية الاقتصادية يساهم في الحفاظ على الاستقرار الداخلي ويقلل من الهزات الاقتصادية الناجمة عن النزاعات.
الآن دعونا نُوجز الموضوع فهناك الكثير مما يمكن قوله لكن لا أريد الإطالة وباختصار الأمر كالتالي:
مواجهة القوة الجوية الإسرائيلية لا تقتصر فقط على البُعد العسكري بل تتطلب استراتيجية شاملة ومتكاملة تشمل الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد والدبلوماسية. وفقط من خلال ذلك يمكن للدول المُهددة أن تحافظ على سيادتها وتؤمن سلامة مواطنيها وتبني استقرارًا مستدامًا في هذا السياق الجيوسياسي المعقّد.”
وأخيرًا أقول هذا ومن يفهم سيفهم حتمًا:
إما الآن وإلا فسيكون الأمر قد خرج عن السيطرة…