في ظل تركيز الديمقراطيين على حرمان الرئيس الأميركي دونالد ترمب من فترة رئاسية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يقدّم رجل الأعمال ملياردير نيويورك مايكل بلومبيرغ نفسه شخصاً مُهيأ بشكل فريد للقيام بتلك المهمة، فهو شخصية لديها موارد فريدة، مع مجموعة قوية من التحالفات وقوة سياسية.
فمن هو ذلك السبعيني الذي قارب على الثمانين؟ وما حظوظه للفوز بتأييد الحزب الديمقراطي الذي بات مشتتاً بين تيار يساري راديكالي وحرس قديم يتمسّك بالمبادئ الليبرالية المعتدلة؟
بلومبيرغ : حياته ونشاطاته ..
بينما يتباهى ترمب بثروته، مقدماً نفسه أنه صانع صفقات تجارية ماهر، استطاع تكوين ثروة تبلغ أكثر من 3 مليارات دولار، غير أنه لم يبدأ من الصفر، إذ كان والده مستثمراً رفيعاً بقطاع العقارات، في المقابل فإن بلومبيرغ، ابن لمحاسب وسكرتيرة، بدأ حياته العملية بعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال عام 1966، وموظفاً لدى بنك سلمون برازرز الاستثماري في نيويورك، وسرعان ما لفتت موهبته قادة المؤسسة ليصبح نجم “وول ستريت” بعد أن تولّى إدارة وحدة أنظمة الكمبيوتر الجديدة عام 1979.
تدريجياً، واصل بلومبيرغ صعوده إلى أن أصبح شريكاً بالمؤسسة، لكن بعد قرار اندماج سلمون مع شركة Phibro Corporation، وحصل الشاب على تسوية بقيمة 10 ملايين دولار، ليبدأ بناء إمبراطوريته الخاصة من الخدمات المالية الإعلامية.
وشارك ملياردير نيويورك في تأسيس أنظمة السوق المبتكرة، فأطلق منصته المالية IMS المعنية بتوفير نظام حاسوب متطور يقدم بيانات السوق بشكل آنٍ والحسابات المالية والتحليلات للشركات في “وول ستريت”، حتى إن بعض الخبراء الماليين يشيرون إلى أن “وول ستريت”، بشكلها الحالي، لم تكن لتوجد من دون ابتكارات بلومبيرغ.
استخدم الرجل، الذي كان يبلغ من العمر 39 عاماً، تقنية المعلومات التي طوّرها في سلمون لإنشاء محطة بلومبيرغ في عام 1982، وهو نظام برمجي مزوّد بلوحة مفاتيح متخصصة يستخدمها المتخصصون الماليون في تداول الأسهم إلكترونياً، والوصول إلى بيانات السوق الحية.
وسرعان ما أصبح بلومبيرغ أحد أكبر رجال الأعمال في نيويورك، بل بالولايات المتحدة، وأصبحت شركته التي اتخذت اسمه عام 1986 واحدة من أكبر المنافسين بالصناعة. وفي عام 1990، أنشأت الشركة خدمة إخبارية في سوق المال، ثم أطلقت شبكة بلومبيرغ الإخبارية عام 1993.
وترشح مايكل لمنصب عمدة مدينة نيويورك في العام 2001، ليتولى المنصب خلفاً لرودي جولياني في أعقاب أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول).
وحسب ” وسائل اعلام امريكية ” كانت فترة بلومبيرغ كعمدة مليئة بالسياسات المثيرة الجدل في ما يتعلق بمجال الأمن وصعود المدارس المستأجرة، والضغط على مجلس المدينة لتغيير القواعد التي تحكم فترات العمدة كي يستطيع الترشح لفترة ولاية ثالثة.
لكن بشكل عام، تحسّنت الحياة لمدينة نيويورك في عهده، إذ انخفضت معدلات الجريمة، وارتفعت معدلات التخرج في المدارس، وكذلك العائدات المدينة والقيمة الصافية الخاصة لشركة بلومبيرغ.
وتضاعفت قاعدة مستخدمي منصة “بلومبيرغ إل بي” المالية إلى أكثر من الضعف، ووصل عدد المشتركين إلى 325 ألفا من 160 ألفاً في عام 2001، وفقاً للشركة.
ووفقاً لتقديرات المحللين، بلغ العائد السنوي للشركة المملوكة للقطاع الخاص 10 مليارات دولار في عام 2018، وفي شهر مارس (آذار) العام الماضي، صنفت (فوربس) بلومبيرغ في المرتبة التاسعة ضمن قائمة أثرياء العالم، وأغنى قطب في صناعة الإعلام، إذ تبلغ ثروته نحو 62 مليار دولار.
حليف موثوق لمن ؟
وهل الإرث المهني والسياسي يدعم مايكل بلومبيرغ في سباق الرئاسة؟
خلال انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، بلغت تبرعات مايكل لمرشحي الحزب الديمقراطي أكثر من 100 مليون دولار، وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن سيطرة الحزب على الأغلبية في مجلس النواب الأميركي.
ومع ذلك فربما لن يكون ذلك كافياً لاتخاذ الحزب له مرشحاً ينافس الرئيس دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة 2020، إذ إن سجل مايكل بلومبيرغ تجاه كثير من القضايا ومواقفه السابقة لا تتفق بشكل كامل مع الحزب الذي بات يميل بقوة نحو أقصى اليسار.
بلومبيرغ، وهو جمهوري سابق انضم إلى الحزب الديمقراطي رسمياً فقط في عام 2018، أعرب مراراً عن وجهات نظر عدّها الليبراليون مزعجة، وخلال الأسبوع الماضي، كانت حملته في موقف دفاعي بسبب التسجيلات السابقة التي بدأ يربط فيها بين الأزمة المالية التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2008 ونهاية العمل بما يسمى ممارسات redlining في مجال الرهن العقاري، وهي تلك السياسات التي كان يعدّها البعض “تمييزية في مجال منح قروض الرهن العقاري”، إذ كانت تضع قيوداً على المنح لمجتمعات وسكان مناطق معينة، وهم على الأغلب من الأقليات العرقية.
وفي 2018 أعرب الرجل عن شكوك حول حركة “أنا أيضاً” التي تهدف لفضح التحرش الجنسي، التي بموجبها جرى الكشف عن تورط قادة بارزين في مجتمع الأعمال والسياسة والإعلام في اتهامات سوء السلوك الجنسي.
لم يخض مايكل بلومبيرغ حتى الآن سباق الانتخابات التمهيدية في ولايات أيوا ونيوهامبشاير ونيفادا، إذ خاص مرشحو الحزب الآخرون بيرني ساندرز، الذي يوصف بالاشتراكي، ويحشد وراءه ما يسمى بالتيار التقدمي أو اليساري الراديكالي داخل الحزب، وبيت بوتجيج العمدة السابق لبلدية ساوث بيند وأول مرشح مثلي يخوض السباق، الذي يتصدر النتائج حتى الآن، والسيناتورة اليزابيث وارن وزميلاتها أيمي كلوباتشر وجو بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وفضّل مايكل بدء السباق من الثلاثاء الكبير عندما تبدأ 16 ولاية التصويت، إذ يسجل ذلك اليوم، الذي يأتي في الثالث من مارس (آذار)، البداية الفعلية لانطلاق موسم الانتخابات التمهيدية، حيث تصوّت الولايات التي تضم أكبر عدد من المندوبين الحزبيين.